من بلاغة التعبير بالظلمات والنور في القرآن الکريم

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

استاذ البلاغة والنقد المساعد في کلية اللغة العربية بالقاهرة

المستخلص

 
الملخص باللغة العربية
يدور البحث حول القيم البلاغية لذکر الظلمات و النور في القرآن الکريم ، حيث ورد ذکرهما بکيفيات متنوعة بتنوع السياقات القرآنية التي وردت فيها.
ففي سياق الموازنة بين الکفر والإيمان ، وما في الکفر من تخبط وضلال  وما يقابه في الإيمان من هدى و رشاد ... نرى البيان القرآني يجمع بين الظلمات والنور في قوله تعالى : } ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ  وَالَّذِينَ کَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ  { ( الآية : 257 من سورة البقرة )
نـرى مـدى وضـوح وبيـان تلـک الموازنة بين الکفر الذي برز في ثوب (الظلمات) وما تحويه من عدم وضوح الرؤية البصرية التي يبين بها عن عدم وضوح الرؤية المعنوية ، ومدى ضلال العقول و الأفکار التي تقود صاحبها إلى التخبط والضلال الذي ينتهي بصاحبـه إلى الکفر ... کما يبرز الإيمان في صورة ( النور ) الذي تتضح فيه الرؤية البصرية التي تشير إلى وضوح الرؤية المعنوية التي يظهر فيها کل شيء واضحا جليا ، مما يقود صاحبه إلى الإيمان ، وقد أظهر ذلک بوضوح هذه الاستعارة البينة التي انتزعت من الطبيعة المحيطة بکل ذي بصر کما ساهم في بيان تلک الموازنة هذا الطباق بين ( الظلمات ) و ( النور) ، ووقوع هـذه الموازنـة في سياق أن الفاعل للإخراج من الظلمات والنور هو الله تعالى:  " يخرجهم "، ثم هذه المقابلة بين " الذين آمنوا " و " الذين کفروا " ويخرجهم من الظلمات إلى النور " و " يخرجهم من النور إلى الظلمات " ، ومراعاة النظير حيث ذکر لکل فريق ما يناسبه فـ " الذين آمنوا " يناسبهم " يخرجهم من الظلمات إلى النور " و " الذين کفروا " يناسبهم " يخرجهم من النور إلى الظلمات "، و أيضا من مظاهر الموازنة أن " الله ولي الذين آمنوا " ويترتب على ذلک " يخرجهم من الظلمات إلى النور " و يقابله أن " الذين کفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "إنه أيضا ورد التعبير بالظلمات و النور تعبيرا حقيقيا فيه بيان قدرة الله تعالى على خلق الأشياء وأضدادها فيقول سبحانه :
} ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ کَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ{ ( الآية : 1 من سورة الأنعام )
          وما في ذلک من مقدرة بلاغية إعجازية تقوم على ترتب  جعل الظلمات والنور  على ( خلق السموات و الأرض ) ، وما يناسب خلق السموات والأرض من التعبير بـ " خلق " و هو الإنشاء من العدم ، وما يناسب الظلمات والنور ، وهو التعبير ب " جعل " وهو توليد الشيء من الشيء ، وهو أن الظلمات والنور متولدة عن خلق السموات والأرض ، مع استصحاب الطباق السلبي الذي يظهر فيه الضد حسنه الضد .
ثم نرى مجيء الظلمات وحدها منفردة دون ذکر النور ، في سياقات تتطلبها  کما ورد مجيء النور وحده دون الظلمات في سياقات تناسبها.
کما نرى مجيء الظلمات والنور منکرة تارة ، و معرفة ب  ( ال) والإضافة إلى الضمير .
ولا توجد حالة واحدة من أحوال التعبير بالظلمات والنور جاءت نافرة عن سياقها ، أو مجافية لموقعها ، وسبحان من أنزل هذا القرآن العظيم فقهر به القوى والقدر ، وقيد الخواطر والفکر ، وأخرس الشقاشق ، وعـدم نطـق الناطق    .